(يمكن للشيطان ان يكون ملاكًا، بل ويجعل من الظُلمات نورًا.. ولكن أمام الحمقى والسُذج فقط)
فضلت واقف وساند على حديد، عيني كانت على النيل ومايته السودة اللي قدامي، وفي نفس الوقت كنت بسمع الناس من حواليا، ده بيجري، ده بيضحك، ده بيزعق.. لكن بعد شوية ومع مرور الوقت، أصوات الناس اختفت، بصيت حواليا لقيت الشارع تقريبًا فاضي… بصيت في ساعتي، كانت الساعة اتنين بعد نص الليل.
قربت من الحديد اللي بيفصل ما بيني وما بين الهوا، بصيت لتحت، ماية النيل شكلها مرعب، سوادها مُظلم ومُقبض، بس بالتأكيد سواد حياتي مرعب اكتر بكتير… كنت ناوي انط، وقبل ما ارمي نفسي من ع الكوبري اللي انا واقف عليه، وقفتني دمعة نزلت مني غصب عني، سندت على السور بدراعاتي وابتديت ابكي وانا بكلم نفسي بصوت مسموع..
(كان نفسي اعيش زي الناس ماهي عايشة، اضحك وافرح واشتغل وانجح.. كان نفسي ابقى بني أدم حياته عادية، مش شرط يعني مايكونش فيها مشاكل، بس عالأقل المشاكل اللي اقابلها يبقى ليها حل، إنما انا.. انا مشاكلي مالهاش حل غير موتي، وحتى ده دلوقتي بفشل فيه، بفشل حتى إني انتحر.. لكن لا.. لا.. انا لازم اخلص من المرار اللي انا عايش فيه ولازم اتشجع وانط..)
قطع سكوتي مع نفسي صوت راجل سمعته من جنبي بالظبط..
-وتفتكر يعني إن موتك هيغير حاجة؟
رَفعت راسي وبصيت ناحية مصدر الصوت، كان راجل واقف جنبي بالظبط، ماعرفش جه امتى ووقف جنبي ازاي، انا حتى ماحستش بوجوده إلا لما اتكلم!
كان غريب.. هيئته غريبة ولبسه أغرب؛ كان لابس عباية سودة ومكلفت راسه كلها بشال أسود!
بصيتله لثواني وانا ساكت، وبعد السُكات سألته..
-انت مين وعايز مني ايه؟
-مش مهم خالص انا مين، المهم عايز منك ايه.. انا عايز مصلحتك، خايف عليك ومش عايزك تنتحر.
رديت عليه وانا ببص لماية النيل من تاني..
-شكلك سمعتني وانا بكلم نفسي وجيت عشان تلحقني، بس خليني اقولك إني مش هرجع خلاص… ريح نفسك، انا خدت القرار ومش هرجع فيه، انا كده كده هنتحر، اصل انا هعيش ليه.. مفيش سبب، ياعم الحاج انا حياتي بقت عاملة زي دور الطاولة المقفول، لازم اخسر، عشان يبدأ دور جديد.
-غلط.. الدور لسه ماقفلش، انت بس محتاج فرصة، او هقولهالك بلُغتك.. محتاج ترمي الزهر وتلعب لعبة صايعة، لعبة تقلب بيها موازين الدور كله لصالحك.
بصيتله بقلق لما قالي كلامه ده، رديت عليه وانا ببلع ريقي بصعوبة..
-ودي تتعمل ازاي دي؟!
-احكيلي عاللي جابك هنا عشان تنط، احكيلي.. جايز اساعدك.
خدت نفس عميق وخرجته، سرحت وانا باصص قصادي وابتديت احكيله..
-بعد ما ابويا مات، عمي هو اللي مسك الشركة بتاعته، وبدل ما يقسم الورث قسمة العدل، اتحكم في كل حاجة.. في السيولة وفي الشركة وفي كل حاجة تقريبًا، ويوم ما شغلني في الشركة، خلاني مرمطون، اقل موظف ولا محاسب بيتحكم فيا، وبسبب تحكمات الموظفين ومرمتطهم ليا كل ساعة والتانية، اتخانقت مع واحد من المديرين لما خصملي عشان روحت الشغل متأخر، وعمي بدل ما يرفد المدير.. وقف يتفرج عليه وهو بيرفدني ومافتحش بوقه، يعني طلعت من المولد بلا حمص، ده من ناحية الشغل، أما من ناحية مراتي بقى.. ف انا وهي مابنخلفش، الدكاترة قالوا إن احنا الاتنين عندنا مشاكل ومش هنخلف إلا بمعجزة، ويمكن دي الحاجة اللي مخليانا مكملين مع بعض.. احنا تملي بنتخانق مع بعض، هي بتقول عليا إن شخصيتي ضعيفة، وانا شايف إنها اتغيرت عن اول ما اتجوزنا.. والنهاردة وبعد خناقة طويلة ما بيننا، ضربتها، وبعد ما ضربتها نزلت تجري على الشارع، ولما نزلت اجري وراها، عربية خبطتها واتنقلت عالمستشفى.. بس تعرف ايه سبب الخناقة؟.. هقولك، في نفس الشارع اللي احنا ساكنين فيه، في قهوة إسمها قهوة حباجة، القهوة دي صاحبها يبقى الحاج حسين الشهير بحباجة، راجل عينه زايغة وبتاع نسوان، انا عارف إنه بيعاكس مراتي وبيبصبص لها في الرايحة والجاية، لكن انا غلبان.. ماقدرش اروح له ولا اختانق معاه، ده راجل بلطجي وممكن يموتني، وعشان كده اول مراتي جت النهاردة وقالت لي إنه عاكسها، وبدل ما انزله واتخانق معاه، اتلككتلها وقولتلها لبسك هو السبب، وضربتها علقة موت نزلت تجري بعدها للشارع وحصل اللي حصل.. وياريت المصايب بتخلص لحد هنا.. انا شخص كل اللي حواليه بيكرهوه، حتى جيراني بيبصوا لي باستحقار وبيتخنقوا مني من غير أي سبب.. بذمتك ياأخي، بعد كل اللي حكيتهولك ده، تفتكر إن في حل تاني غير الانتحار؟!
رد الراجل اللي واقف جنبي وقالي وهو لسه باصص للنيل..
-يعني انت مشكلتك مع عمك، وبعده الموظفين، وبعدهم مراتك والمعلم حباجة وجيرانك.. صح كده؟
-لا.. وشامل كمان.
-مين شامل؟!
-محمد شامل، صاحبي من سنين، متجوز واحدة شمال هي اللي ممشياه، بتنزل تلف على حل شعرها كل ليلة عشان تجيبله فلوس، فطبيعي إنه يسمع كلامها ويعملها اللي هي عايزاه، بس اللي مش طبيعي بقى إنه يشتمني ويتخانق معايا ويفرج عليا الناس، وكل ده ليه.. تخيل انت.. كل ده عشان استلفت منه فلوس ولسه مارجعتهاش، منه لله.. منه لله هو ومراته اللي حرضته عليا وقالتله خلي صاحبك يرجع فلوسنا اللي بنشقي بيها، قال بيشقوا قال.. دي ولية شمال وهو راجل لا مؤاخذة.
ضحك الشخص اللي جنبي ضحكة خفيفة…
-ماشي.. يعني انت مشكلتك مع اللي قولت عليهم في الاول، وبعدهم صاحبك، وطبعًا الفلوس.
-طبعًا.. مافيش حد ماعندوش مشاكل مع الفلوس… بس انا لو قدرت على اللي حكيتلك عنهم دول، حياتي هتتغير ١٨٠ درجة.
-طب ودول عشان تقدر عليهم، محتاج لإيه؟!
سندت على الحديد من تاني وبصيت قصادي..
-محتاج معجزة.. قوة خارقة، محتاج اقدر على عمي واجيب أجله واخد ورثي كله من غير ما اتحبس، وكمان محتاج آذي المعلم حباجة، وبعد كده اخلي مراتي تنسى كل اللي كنت بعمله ونبدأ حياة جديدة، واخلي جيراني يحترموني، وصاحبي اللي ذلني ده، عاوز آذيه هو ومراته، وطبعًا موظفين الشركة عاوز اعلمهم الأدب… بص، من الأخر كده، انا عايز معجزة.
لما قولت اخر كلمة دي، بص لي الشخص اللي واقف جنبي في عيني.. الشال طار من على وشه وشوفت ملامحه، كان إنسان عادي، راجل عجوز، ملامحه عادية اه، بس عينه كان فيها لمعان غريب.. حط إيده على كتفي وابتسم في وشي ابتسامة ثقة وقالي..
-وانا هحققلك اللي بتتمناه وهخليك تعمل كل اللي انت عايزه، بص ياسيدي وركز معايا، اولًا كده… معاك اسبوع بدايته من بكرة.. وفي خلال الاسبوع ده، كل يوم هيبقى معاك قوة خارقة، يعني اول يوم مثلًا هتقدر تقرى افكار اللي قدامك، وتاني يوم هتقدر تتحكم في افكاره، وتالت يوم هتقدر تتنقل بين الأماكن من غير ما حد يشوفك، ورابع يوم هتقدر تتنقل لأي مكان انت عايزه في لمح البصر، وخامس يوم هتقدر تمحي ذاكرة اللي قدامك بمجرد ما تبصله، اما اليوم السادس بقى، فهتقدر تقتل عمك فيه وتهرب كمان، وهتعمل كل ده من غير ما حد يمسك عليك ولو غلطة واحدة، وده ببساطة، لأنك يومها هيبقى معاك كل الصفات اللي قولتلك عليها، يعني مش صفة واحدة بس، لا.. الصفة او القوة اللي هتفضل معاك يوم وهتروح وهيجي غيرها في اليوم اللي بعده، في اخر يوم بقى هتفضل معاك هي وغيرها وغيرها.
-طب واليوم السابع والاخير؟
-يومها هتكون حليت مشاكلك، وكل اللي هيبقى مطلوب منك انك تيجي هنا عشان اقابلك واعرف منك انا ساعدتك ولا لا؟
-طب وايه المقابل؟!!
-ولا حاجة.. المقابل بس انك ماتنتحرش.
-ياسلام؟.. طيب، هعمل نفسي مصدقك، بس قبل ما اوافق على عرضك، قولي الأول.. انت مين؟!
قرب مني وبص في عيني بتركيز، عينه كان جواها لمعة غريبة، سيطر عليا، حسيت إن جسمي بيقشعر وإن في حاجة مسيطرة عليا، اتملك مني القلق والخوف وهو بيقولي بكل ثبات..
-انا عمك الغريب، سميني فاعل خير او واحد خايف على مصلحتك، مش مهم الاسم، المهم إنك تختار.
غمضت عيني من التوتر، او خليني اقولك إني غمضت عشان اخد القرار، وفي لحظة.. سحبت نفس عميق وخرجته وانا بقوله بكل ثقة..
-موافق…
فتحت عيني وانا بكمل كلامي..
-موافق على العرض ومش هنتحر زي ما.. ايه ده!.. انت فين ياعم انت!.. ياعم غريب!
بصيت حواليا مالقتهوش، الراجل اتبخر، لا له أثر في المايه ولا في أي مكان!
ماوقفتش مكاني كتير بعد اللي حصل بيني وبينه، انا خدت بعضي وروحت على شقتي، دخلت اوضة النوم ونمت نوم عميق، ومع طلوع النهار، قومت من النوم وفطرت، وبعد ما خلصت فطاري، اتصلت بالدكتور اللي بيعالج مراتي…
-الو.. صباح الخير يادكتور.. فريدة عاملة ايه النهاردة؟.. لسه في غيبوبة برضه!.. لا اله الا الله، منه لله صاحب العربية اللي خبطها وطلع يجري.. اه انا عملت محضر وكتبت فيه مواصفات العربية، لا لا.. النمر ماشوفتهاش وماحدش من اللي واقفين لحق يشوفها، دي العربية اختفت هوا… ماشي يادكتور الله يباركلك… انا هعدي عليك النهاردة في المستشفى عشان ابقى جنبها لو احتاجت حاجة، سلام.
قفلت معاه وانا دماغي هتنفجر من القلق والتفكير، الحمد لله إن موضوع ضربي ليها ماتعرفش واتقال إن الكدمات اللي في وشها بسبب خبطة العربية، دي لو فاقت وحكت اللي عملته فيها، هيتعملي محضر وحياتي هتبوظ اكتر ماهي بايظة.. ولا على ايه تبوظ من أصله، انا كده كده حياتي هتتظبط لو كلام الغريب كان صح.. بس انا هعرف منين إذا كان صح ولا غلط؟.. انا لازم البس واروح عالشركة واقابل المدير اللي رفدني، ولما اقعد قدامه بقى ساعتها هعرف، هل كلام عم غريب كان صح ولا غلط؟
لبست هدومي ونزلت من البيت، وبمجرد ما خرجت من باب شقتي ونزلت عالسلم، قابلت عالسلم أستاذ مراد، وأستاذ مراد ده يبقى جاري السئيل، بقاله فترة كده كل ما يشوفني يبصلي باستحقار من فوق لتحت.. وحقيقي ماعرفش سبب بصاته دي ايه، بس السبب عرفته لما اتأكدت إن الغريب كان صح.. انا أول ما شوفت مرات بصيت في عينيه وابتسمت، وكالعادة، بص لي باستحقار لما قولتله..
-صباح الخير ياأستاذ مراد.
كنت باصص له باستغراب وهو بيرد عليا بقرف..
-أهلًا..
لكن الحاجة الغريبة ماكانتش نظراته ولا أسلوبه معايا، لا.. انا لما بصيت في عينيه سمعت أفكاره، قدرت اعرف هو بيفكر في إيه، افكاره كنت سامعها بصوته جوة عقلي، وكأنه بيكلمني بس جوة راسي، وكانت المصيبة لما سمعته بيقول بينه وبين نفسه، او عن طريق أفكاره يعني..
(خير!.. خير ايه ياأوطى خلق الله يامبصبصاتي، هو انت اللي يصطبح بخلقتك يلاقي الخير أبدًا؟)
-ليه كده بس ياأستاذ مراد؟!
لما السؤال ده طلع مني بعفوية، بلع ريقه بقلق وهو بيقولي..
-ليه ايه يااستاذ مؤنس، انا ماقولتش حاجة!
اتحرجت ووطيت راسي وسيبته ونزلت جري على السلم قبل ما اهلفط بأي كلام ممكن يفضحني.. وبمجرد ما نزلت وخرجت من باب العمارة، كنت ماشي زي المجانين، مذهول، مش مصدق اللي بيحصلي، انا كل ما ابص في عين حد من اللي ماشيين، اسمع أفكاره جوة راسي.. زحمة، دوشة، ده بيشتم حد في سره، وده بيدعي على حد، وده بيبص على الست اللي ماشية قصاده وبيتمنى بلاوي سودة!
ياوقعة مطينة بطين، ايه المستنقع ده!.. ده انتوا مش بني أدمين، بقى كل ده متداري جواكوا!
وعشان اريح دماغي من كتر الأصوات والأفكار، حطيت وشي في الأرض وفضلت ماشي بسرعة، اه… ما انا مابسمعش افكار اللي قدامي ولا بعرف اقراها، إلا اما ابص في عينه، وعشان كده فضلت ماشي في الشارع وانا عيني في الأرض لحد ما عديت من قصاد قهوة حباجة، الشخص الندل المفتري ابو صوت عالي…
-والا ياتيخاا.. غيرلي الحجر ياض ياابن المفكوكة.
لما قال كده بصوت عالي، رد عليه تيخا صبي القهوة..
-عنيا يامعلمي.
رفعت راسي وبصيت في عينه، واول ما بصيتله، بص لي من فوق لتحت وقال بصوت عالي..
-صباح الفل ياأستاذ مؤنس.. ألا المودام عاملة ايه النهاردة؟.. منه لله اللي خبطها… مش محتاج أيتوها حاجة؟
كنت عاوز اقرب منه، امسك في زمارة رقبته واقوله مالكش دعوة بمراتي ولا حتى ليك دعوة باللي خبطها، لكن كالعادة جُبني وقفني في مكاني وخلاني ارد عليه بصوت مهزوز..
-الحمد لله يامعلم.. هي بخير، وانا اهو عملت محضر بمواصفات العربية وبإذن الله اللي خبطها هيتجاب.. تؤمر بحاجة؟
-مايؤمرش عليك ظالم.. انت محتاج حاجة؟
هزيتله راسي بالنفي وانا بقوله..
-تسلم يامعلم.
ركزت في عينيه، واللي توقعته حصل.. كان بيبصلي وهو بيبتسم ومن جواه بيقول بتريقة..
(الله لا يسلمك ياشيخ، روح ياأخي.. إلهي يهفك اتوبيس سواقه يكون اعمى ولا اطرش.. وساعتها مراتك المُهرة دي هتبقى ارملة، وهيبقى من حقي وقتها اتقدملها واتجوزها)
برقت وانا باصص في عينيه، منعت نفسي عن الكلام بالعافية، بس الظاهر إن ملامحي اتغيرت وده اللي خلى حباجة يبصلي باستغراب وانا واقف قصاده..
-في حاجة ياأستاذ مؤنس؟!
-لا لا يامعلم.. انا انا.. انا بس اتأخرت عالشغل.. سلامو عليكوا.
-وعليكوا السلام..
مشيت جري من قدامه وانا بكتم غيظي وضيقتي، انا هنتقم منه ومش هسيبه، ورب الكون ما هسيبه، بس اما دوره يجي.. الأيام جاية كتير ودوره كده كده هيجي.
مشيت في الشارع وانا بكلم نفسي لحد ما وصلت موقف الميكروباصات، ومن هناك ركبت ميكروباص عشان اروح الشركة، وطبعًا طول الطريق كنت كل ما ابص في عين حد من اللي قاعدين، كنت بسمع بلاوي.. اللي مش طايق ابوه وامه، واللي عاوزة تقتل جوزها، واللي عاوزة تطلق.. واخر ما زهقت، بصيت من الشباك، وفضلت على الوضع ده لحد ما نزلت، وبعد ما نزلت دخلت الشركة، ومع دخولي للشركة، استأذنت ودخلت مكتب أستاذ شاكر.. وشاكر ده هو المدير اللي رفدني امبارح، كان مشغول في ورق قصاده، اول ما شافني ساب الورق اللي في إيده والشخص اللي بيتكلم معاه وبص لي باشمئزاز..
-انت ايه اللي جابك؟.. انا مش رفدتك امبارح؟!
اتنحنحت وانا برد عليه ووشي في الأرض..
-انا جاي اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم اوي.. موضوع ماينفعش امشي من الشركة قبل ما حضرتك تعرفه.
-حضرتك!.. من امتى مؤنس بيقول لحد في الشركة حضرتك!.. ومع ذلك، ماشي ياسيدي، خير.. موضوع ايه المهم اوي ده اللي جابك بعد ما اترفدت؟!
بصيت للشخص اللي واقف، في إشارة مني يعني إني ماينفعش اتكلم قدامه، وقتها بص له شاكر وبعد كده بص لي..
-ماشي.. اقعد لحد ما اخلص الورق اللي براجعه مع محمود.
قعدت على الكنبة اللي قصاده، بس طول ما انا قاعد ووقت ما كان بيراجع الورق، عيوني كانت معاه، كنت مركز مع عينيه اللي كل شوية تبص في الموبايل وتبص في الورق، وطبعًا اول ما بصيت في عينيه قدرت اسمع أفكاره..
(يادي ام الورق اللي مابيخلصش، طب اعمل ايه انا دلوقتي.. اخلص الورق اللي في إيدي الأول، ولا ارد على رسايل ابتهال مراتي اللي شاكة إن انا بخونها، ولا.. ولا اكلم شهيرة مراتي التانية واقولها إني مش هينفع ابات عندها النهاردة؟.. يادي القرف اللي انا فيه، لا وكله كوم بقى وزفت الطين اللي اسمه مؤنس ده كوم تاني.. ياترى هيكون عايزني في ايه؟)
بعد ما سمعت افكاره وعرفت منها اللي انا عايزه، بصيتله وابتسمت ابتسامة شيطانية، واستمرت الابتسامة مرسومة على وشي لحد ما خلص مراجعة في الورق ومضى عليه.
-تمام كده يامحمود.. ادي أمضتي اهي، روح انت على مكتبك، وكمان نص ساعة ماتنساش تبعتلي إيميل بالتقارير اللي طلبتها منك.
خد محمود الورق وخرج، وبعد خروجه، بص لي شاكر وسألني..
-خير؟.. ايه الموضوع المهم اللي انا لازم اعرفه قبل ما تمشي من الشركة!
قومت من مكاني وقربت منه وانا على وشي نفس الابتسامة..
-مفيش موضوع ياأستاذ شاكر.. انا جيتلك النهاردة عشان اقولك إنك لازم ترجعني الشغل تاني.. وده عشان…
قاطعني بعصبية..
-ارجعك الشغل تاني!.. عشان ايه بقى إن شاء الله؟!
-عشان خاطري.. وعشان خاطرك.. اه.. ما انا لو مشيت هتأذي، لقمة عيشي هتتقطع من هنا، وانت كمان.. انت كمان لو انا مشيت، هتتأذي.
-ااه.. انت شكلك شارب حاجة وجاي تهددني، لا يابيه.. انا مابتهددش، وأعلى ما في خيلك اركبه.
لما قالي كده، قربت منه وقولتله بصوت واطي..
-والله ما بهددك ياشيكو.. ما هو انا لو خرجت من الباب ده دلوقتي وانا لسه مرفود.. هطلع من هنا على مراتك على طول.
-انت اتجننت ولا ايه؟.. انت بتهددني إنك هتأذي مراتي لو مارجعتكش الشغل؟!
-لا لا.. حشى لله ياعم.. انا مش بهددك إن انا هأذيها، انا بهددك إني هوعيها.. اه هوعيها، ماتستغربش اوي كده، هي مراتك لو عرفت مني إنك متجوز واحدة تانية إسمها شهيرة، مش كده برضه هبقى بوعيها ولا ايه؟!
ارتبك وابتدا يبربش بشكل مش طبيعي..
-انت… انت عرفت منين؟!
يتبع
ده الجزء الأول من قصة الأسبوع الأخير
الاسبوع الأخير
٢
قومت من مكاني وقربت منه وانا على وشي نفس الابتسامة..
-مفيش موضوع ياأستاذ شاكر.. انا جيتلك النهاردة عشان اقولك إنك لازم ترجعني الشغل تاني.. وده عشان…
قاطعني بعصبية..
-ارجعك الشغل تاني!.. عشان ايه بقى إن شاء الله؟!
-عشان خاطري.. وعشان خاطرك.. اه.. ما انا لو مشيت هتأذي، لقمة عيشي هتتقطع من هنا، وانت كمان.. انت كمان لو انا مشيت، هتتأذي.
-ااه.. انت شكلك شارب حاجة وجاي تهددني، لا يابيه.. انا مابتهددش، وأعلى ما في خيلك اركبه.
لما قالي كده، قربت منه وقولتله بصوت واطي..
-والله ما بهددك ياشيكو.. ما هو انا لو خرجت من الباب ده دلوقتي وانا لسه مرفود.. هطلع من هنا على مراتك على طول.
-انت اتجننت ولا ايه؟.. انت بتهددني إنك هتأذي مراتي لو مارجعتكش الشغل؟!
-لا لا.. حشى لله ياعم.. انا مش بهددك إن انا هأذيها، انا بهددك إني هوعيها.. اه هوعيها، ماتستغربش اوي كده، هي مراتك لو عرفت مني إنك متجوز واحدة تانية إسمها شهيرة، مش كده برضه هبقى بوعيها ولا ايه؟!
ارتبك وابتدا يبربش بشكل مش طبيعي..
-انت… انت عرفت منين؟!
-مش مهم عرفت منين، المهم إني عارف كل بلاويك، ولو مارجعتنيش الشغل دلوقتي وكلمت عمي وقولتله إن انا اعتذرتلك، وانك سامحتني وقررت ترجعني الشغل، هفضحك في كل حتة وهقول كل اللي عرفته عنك.
ارتباكه زاد وانا باصص في عينيه، ووقت ما كان ساكت للحظات وهو باصص لي، كان بيتكلم مع نفسه وبيفكر من غير صوت..
(ياوقعتك السودة ياشاكر.. اللي يخليه يعرف موضوع جوازي، اكيد تلاقيه عرف كمان موضوع شربي للحشيش والاختلاس اللي انا بختلسه من الشركة)
اول ما قريت افكاره وعرفت إنه بيقول لنفسه الكلام اللي انا سمعته ده، قربت منه وقولتله بصوت اوطى..
-ماتفكرش كتير واعمل اللي بقولك عليه، وصدقني.. لو ماعملتش كده الموضوع مش هيقف عند مراتك وبس، انا كمان هبلغ عنك الادارة وهقولهم على موضوع الحشيش.. وانت عارف بقى الادارة، في دقيقة هيعملولك تحليل مخدرات، وساعتها هتخرج من هنا بفضيحة، وضيف عليها كمان فضيحة الاختلاس اللي انت..
قاطعني وهو بيحط إيده على بوقي..
-ششش.. بس الله يخربيتك هتوديني في داهية، انت عرفت البلاوي دي كلها منين؟!
-اوعى إيدك.. مش مهم عرفت منين، المهم دلوقتي، هتعمل اللي قولتلك عليه ولا..
-من غير ولا.. من غير ولا طبعًا ياأستاذ مؤنس.
رفع سماعة التليفون بسرعة وكلم عمي، قاله إن انا عنده في المكتب وإن انا اعتذرتله عن التأخير وعن اسلوبي في الكلام معاه قبل ما يرفدني، وفي نهاية المكالمة قاله إنه هيرجعني الشغل لأنه بيحتاجني في شغل مهم.
خلص المكالمة وقفل التليفون، بص لي بنظرة كلها كسرة وقهرة وهو بيقولي بصوت واطي وعينيه بتدمع..
-انا عملتلك كل اللي انت عاوزه اهو.. بالله عليك ياأخي ما تفضحني، انا حياتي متدربكة ومش ناقص.
ضحكت وانا بقوله..
-ماتقلقش، مش هفضحك طول ما انت دوغري معايا، ابلعلي، هعديلك، والدنيا تمشي.. سلام ياشيكو.. هروح انا على مكتبي، ولا… قعدتوا حد تاني فيه؟!
-لا لا ماحدش قعد فيه.. مكتبك مستنيك ياأستاذ مؤنس.
سيبته وخرجت وهو حرفيًا بيترعش من الخوف والقلق، اصعب حاجة في الدنيا لما يبقى اللي قصادك بيلاعبك بكل نقط ضعفك، ساعتها بتحس إنك متعري قدامه، وده اللي انا عملته مع شاكر.. ومش بس شاكر، انا كل اللي شوفتهم في اليوم ده استغلتهم استغلال كامل عن طريق قراية أفكارهم، وبعد ما اليوم انتهى في الشغل، روحت لمراتي المستشفى واتكلمت مع الدكتور، ومن خلال كلامي معاه.. عرفت إنها في غيبوبة مش بسبب الخبطة، لا.. دي في غيبوبة بسبب الصدمة اللي جت لها قبل الخبطة، يعني المسئلة كلها مسئلة وقت وتفوق.. ارتاحت شوية بعد كلام الدكتور وخدت بعضي ورجعت عالبيت، بس وانا راجع للبيت، كنت مستمتع اوي بالقوة اللي جت لي، بقيت ماشي في الشارع اسمع افكار الناس، بلاويهم، شهاوتهم، سعادتهم، وفي النهاية وبعد ما زهقت، روحت البيت وقعدت على الكنبة اللي في الصالة، سرحت مع اليوم واللي حصل فيه، وفي نفس الوقت كنت بفكر هعمل ايه في اليوم الجاي، لكن فجأة وانا قاعد في الصالة، سمعت صوت خطوات، قربت من الباب وبصيت من العين السحرية، كان أستاذ مراد طالع على السلم وبيبص حواليه بحذر!
بعدت عن الباب وسألت نفسي باستغراب..
(ايه ده؟.. هو مراد طالع بيتسحب كده ليه، وبعدين هو طالع فوق لمين اصلًا.. ده مفيش غير شمس الست المُطلقة اللي عايشة هي وابنها لوحدهم.. اااه.. ياابن اللذينة، هو انت على علاقة بيها؟.. عشان كده بقى كنت بتقول عليا مبصبصاتي، تلاقيها حكيتلك إن انا بحاول افتح معاها كلام، بس على مين، وحياة أمي ما هسيبكوا انتوا الاتنين، هانت.. يومكوا جاي، هتروحوا مني فين، ده لسه اسبوع بحاله)
فضلت اكلم نفسي لحد ما زهقت ودخلت انام، وعلى الساعة ٧ تاني يوم الصبح، صحيت من النوم وفطرت وكلمت الدكتور، وزي اليوم اللي قبله، قالي إن مراتي لسه مافاقتش، وبرضه قولتله إني هعدي عليه بعد الشغل.. وبعد ما قفلت معاه، لبست هدومي ووقفت قصاد المراية، كنت مبتسم ومتفائل باليوم لحد ما ظهر من ورايا.. الغريب، بص لي وقالي بحزم..
(اليوم التاني.. التحكم في الأفكار)
قال كده واختفى، في الوقت ده بلعت ريقي وروحت ناحية باب الشقة وفتحته، وبمجرد ما فتحت الباب وكنت ناوي انزل، لقيت مدام شمس نازلة من الدور اللي فوق وفي إيدها ابنها اللي لابس لبس المدرسة، الظاهر كده إنها نازلة توصله المدرسة زي كل يوم، اول ما شوفتها ابتسمتلها وانا ببص في عينيها وبقول في بالي..
(ياسلام لو تدخلي عندي الشقة دلوقتي)
عينيها برقت، ومن غير حتى ما تقولي صباح الخير، لقيتها قربت مني وقالتلي بلهفة..
-هي مدام فريدة لسه ماخرجتش؟.. شكلها لسه ماخرجتش، انا هدخل اروقلك الشقة.. تلاقيها متكركبة.
شدها ابنها من إيديها وهو بيقولها باستغراب..
-تروقي ايه بس ياماما.. كده هتأخر عالمدرسة.
ارتبكت وقولتلها بطيبة مصطنعة وانا بقفل الباب..
-لا لا.. الشقة تمام، اتفضلي وصلي ابنك لمدرسته… ممكن تبقي تنزلي في أي وقت تاني تروقيها لو حبيتي.
خدت الواد وهي بتبصلي باستغراب ونزلت بيه جري عالسلم.. وقفت مبرق لدقايق وانا مش مصدق، معقول!.. في كده؟
قفلت الباب ونزلت، ووقت نزولي صادف نزول أستاذ مراد، الظاهر إنه وراه مدرسة النهاردة، اصله بيشتغل مدرس، بصيتله بابتسامة صفرا وهو كالعادة بص لي من فوق لتحت، لكن المرة دي بقى ومع نظراته ليا، لقيت نفسي بأمره في عقلي..
(ادخل الشقة التاني واضرب مراتك.. حالًا يافريد.. حالًا)
برقلي ومن غير ولا كلمة، رجع جري ودخل شقته ورزع الباب وراه، ومافيش.. ثواني وسمعت صوت مراته وهي بتزعقله.. كملت نزول عالسلم وانا بضحك ومبسوط اوي، حقيقي حاجة ماتتوصفش إنك تتحكم في اللي قدامك، شعور مالوش زي.. مشيت في الشارع وسط الناس لحد ما وصلت عند القهوة، وطبعًا لأننا كنا بدري يومها، فحباجة ماكنش قاعد، ابتسمت ساعتها وقولت لنفسي (هو هيروح مني فين.. كده كده هرجعله بالليل وهخليه يعمل في نفسه مصيبة، ويبقى يقابلني بقى لو عرف إن انا السبب).. وزي اليوم اللي قبله، روحت الموقف وركبت ووصلت شغلي، وبعد وصولي فضلت طول اليوم اتحكم في افكار الموظفين اللي ضايقوني قبل كده، شوية اخلي ده يزعق لده، وشوية اخلي ده يبوظ الشغل اللي في إيده، حرفيًا الشركة اتقلبت يومها لمورستان، وفي نهاية اليوم خلصت شغل وروحت عالمستشفى، وبرضه مافيش جديد، مراتي لسه في غيبوبة والدكتور كالعادة طمنني إنها ممكن تفوق اي وقت، وانا كالعادة برضه نزلت من المستشفى ورجعت على شارعنا، والمرة دي بقى وانا ماشي في الشارع، لقيت حباجة قاعد عالقهوة، اول ما شافني بصيت في عينيه وركزت، أمرته بيني وبين نفسي إنه يمسك الولعة اللي على حجر المعسل بإيده، ومن غير أي رد فعل منه وزي المتخدر، مد إيده ناحية الولعة ومسكها بكل قوة.. سرعت في مشيتي وروحت ناحية العمارة اللي انا ساكن فيها وانا سامعه من ورايا، كان بيصرخ وبيولول زي المعددين بتوع التُرب، الله.. صوته ممتع اوي، ده ولا صوت عبد الوهاب اللي اتعود يشغله كل ليلة في السماعات اللي عنده في القهوة.
مشيت بخطوات أسرع وطلعت شقتي، ولأني كنت صاحي من بدري، نمت زي المتخدر، وعلى الساعة ٧ الصبح في اليوم التالت، صحيت.. ونفس الروتين بتاع كل يوم، فطار.. مكالمة للدكتور، ونفس الكلام اللي بسمعه منه، وبعد الروتين المُعتاد، لبست ووقفت قصاد المراية، كنت مستنيه، وحصل.. ظهر في معاده وقال كلامه اللي كنت مستنيه..
(اليوم التالت.. اول ما تفكر إنك تختفي، كل الناس هتبقى مش شايفاك.. هتبقى شفاف وهتقدر تعدي من أي مكان)
قال كده واختفى، وبعد اختفاءه روحت ناحية الباب ووقفت قصاده، فكرت إني اختفي، وبعد ثواني مديت ايدي ناحية الباب المقفول.. إيدي عدت وبعدها جسمي!
نزلت على السلم وانا فرحان وبتنطط زي العيال الصغيرين، انا ماحدش شايفني، وحتى لما نزلت في الشارع كنت بعدي من قدام العربيات وانعكاسي مش باين في أزازها!.. كنت حاسس اني طاير، انا حتى ماركبتش مواصلات عشان استمتع بالقوة الجديدة اللي عندي، لا.. انا مشيت وسط الناس في الشارع وانا مش مشتاف، ضربت ده، شديت شعر دي، وفضلت عامل زي العيال الصغيرة لحد ما دخلت الشركة، وقبل ما اقرب من الباب وقفت لثواني، قولت بيني وبين نفسي إني عايز اظهر.. وفعلًا ظهرت، شوفت انعكاسي بيظهر في مراية عربية كنت واقف جنبها، وبعد ما دخلت الشركة وقضيت نص اليوم تقريبًا، دخلت الحمام واختفيت، وبعد ما اختفيت خرجت وقضيتها بقى وسط الموظفين، نفس اللي عملته في الناس اللي في الشارع، عملته فيهم، ضربت ده بالقفا، ودي دلقت عليها النسكافيه عشان يبهدل الجيبة القصيرة اللي فرحانة بيها، وبعد ما خلصت، دخلت الحمام وظهرت من تاني، ومع ظهوري خرجت ولا كأني عملت حاجة، وكملت اليوم عادي خالص لحد ما خلصت، وبرضه.. نفس اللي حصل في اليوم اللي فات، حصل في اليوم ده، روحت المستشفى واتكلمت مع الدكتور وقالي نفس الكلام، ونزلت من المستشفى وروحت عالبيت، بس قبل ما اعدي من قصاد قهوة حباجة، وقفت قبلها بشوية وقولت لنفسي إني عايز اختفي، واختفيت.. انعكاسي ماظهرش في مراية محل عديت من قدامه، ابتسمت بخبث وقربت من حباجة اللي كان قاعد مضايق اوي ولافف إيده بشاش مكان الولعة اللي مسكها امبارح، ومن غير أي تفكير، نفذت مشهد من مشاهد فيلم طاقية الأخفا، قربت منه ووقفت وراه.. وبكل وقتي ضربته على قفاه، قام وهو مفزوع من ع الكرسي وفضل يبص حواليه، شتم الزباين وطردهم، فضل يزعق ويهلل ويقول في شتايم مُركبة انا أول مرة اسمعها، سيبته ومشيت وطلعت شقتي وانا لسه مش مشتاف، واول ما دخلت الشقة وقعدت على الكنبة اللي في الصالة، سمعت صوت رجلين طالعة على السلم.. بس، هو اللي جابه لروحه، انا هسيبه يطلع وهطلع وراه.. اما اشوفه بيطلع ينيل ايه فوق ده.
خرجت من الباب وطلعت ورا مراد، وقف قصاد باب شقة شمس وخبط، فتحتله وهي بتبتسم وبتقوله اتفضل ياأستاذ مراد.. دخل وبعده بدقايق دخلت انا، كنت مستني اشوف منظر كده ولا كده، بس الحقيقة اللي صدمتني كانت غير كده، انا لما دخلت شقة شمس لقيت مراد قاعد مع ابنها في الصالة وبيذاكرله!.. ايه ده؟.. ده بيديله درس!
سيبتهم ودخلت ادور على شمس في الشقة، كانت لابسة لبس محتشم وقاعدة في أوضة من الأوض وبتتكلم في التليفون، وقفت قصادها وابتديت اركز معاها وهي مش شايفاني، سمعتها وهي بتتكلم في التليفون، ومن خلال اللي سمعته عرفت إنها بتكلم اختها وبتقولها بصوت واطي..
(والله انا ما عارفة اقوله ايه ياشهد.. راجل كله زوق، ربنا يخليه لمراته ولعياله ويباركله فيهم، تخيلي.. برضه مش راضي ياخد ولا مليم، بيقولي إن مصطفى زي ابنه وإنه بيعتبره عيل من عياله.. اه والله راجل محترم، مش زي التاني اللي اسمه مؤنس، عينيه مابتنزلش من عليا، انا مش عارفة هو عايز ايه ولا شايفني ازاي، الله يخربيت الافكار المنيلة اللي لسه في مجتمعنا، اه ياستي.. هو فاكرني عشان ست مطلقة ابقى خلاص بقى، ست مش كويسة ومقضياها، يلا.. ربنا يسامحه ويهديه على مراته ويقومها بالسلامة.. دي ست طيبة اوي وياما بتشتكيلي منه لما بتطلع تقعد معايا)
لما قالت كده ماحستش بنفسي، خرجت من الشقة وانا بجرجر رجلي بالعافية ونزلت لشقتي، دخلت أوضة النوم واترميت على السرير وفضلت باصص للسقف.. انا ازاي كنت بفكر بالشكل ده؟
عنيا دمعت غصب عني، ومن كتر الحزن والتعب راسي تقلت ونمت، وعلى الساعة ٧ الصبح تاني يوم، صحيت من النوم، ونفس الروتين اللي بعمله كل يوم عملته في اليوم الرابع، فطار، مكالمة للدكتور، نفس الكلام، واللبس ووقفتي قصاد المراية، وكالعادة ظهور الغريب اللي قال..
(اليوم الرابع.. الانتقال اللحظي.. اول ما تفكر إنك عايز تتنقل لأي مكان، هتتنقله في نفس اللحظة)
يتبع..
ده الجزء التاني من قصة الاسبوع الأخير،
الاسبوع الاخير
٣
(اليوم الرابع.. الانتقال اللحظي.. اول ما تفكر إنك عايز تتنقل لأي مكان، هتتنقله في نفس اللحظة)
قال كده واختفى.. لكن في اليوم ده انا ماعملتش حاجة ممكن تتحكي، انا بس دخلت الحمام ووقفت فيه، بصيت في المراية وقولت إن انا عاوز اتنقل في شارع بيبقى فاضي جنب الشركة، وفعلًا اتنقلت، ومن الشارع روحت للشركة ودخلت، وهناك قضيت اليوم كله وانا ساكت، مابتكلمش مع حد، وبعد ما خلصت وجيت اخرج، جالي اتصال من محمد صاحبي، رديت عليه وانا قرفان ومخنوق..
-الو.. ايوه ياشامل.
-ايوه ياعم مؤنس، فينك ياعم، بقالك كام يوم مش ظاهر، ايه.. نسيت الحوار اللي كلمتك عليه ولا ايه؟!
-لا يامحمد مانسيتش.. ده انت اخر مرة بهدلتني قصاد الناس، انا بس عندي شوية ظروف، مراتي تعبانة وفي غيبوبة و..
قاطعني قبل ما اكمل كلامي..
-الف سلامة عليها ياصاحبي، بس اقسملك بالله انا عندي مشاكل كتير اوي في البيت بسبب تأخير الفلوس اللي عندك دي، فياريت يعني لو نتقابل النهاردة وتديني اي جزء منهم.
-ماشي يامحمد.. نتقابل الساعة ٦ في القهوة اللي بنقعد عليها، سلام.
قفلت معاه وفضلت اتمشى في الشوارع لحد ما وصلت للمستشفى اللي فيها مراتي، دخلت ووقفت مع الدكتور، والمرة دي كلام الدكتور كان أقل.. ادعيلها تفوق بسرعة.. بصيتله بحزن وهزيتله راسي ودعيتلها ومشيت، روحت عالقهوة، طلبت شاي وقعدت، فضلت ساكت لحد ما محمد جه، سلمت عليه وسلم عليا، وبعد ما قعدنا، طلعت من جيبي ٥٠٠ جنيه واديتهمله، خدهم مني وبص فيهم بضيق..
-بس دول قليلين اوي ياصاحبي، انا مش عارف اقولك ايه بصراحة.
-ماتقولش.. كده كده انا هرجعلك بقية الخمستلاف اول الشهر.
هز لي راسه ومسك التليفون، غالبًا كان بيكلم مراته لأنه قالها بصوت واطي..
-ايوه ياهند.. لا مش كلهم، اداني ٥٠٠ بس، ماشي ماشي، يامسهل يارب، سلام.
قفل معاها وبص لي وابتسم ابتسامة مالهاش معنى، ابتسمتله انا كمان وسيبت حساب الشاي وقومت، اتمشيت في الشوارع لحد ما وصلت لحارة ضلمة وفاضية، ركزت كويس اوي وانا بقول لنفسي إن انا لازم اروح للمكان اللي بتشتغل فيه مرات محمد، انا عاوز اشوفها بقى واعرف هي بتشتغل فين بالليل كده، انا فاكر إن فؤاد صاحبنا كان قال إنه لما بيسهر عالقهوة، بيفضل يكلمها كل شوية عشان يطمن عليها، اكيد بتشتغل شغلانة مشبوهة، بس الغريب بقى إن انا لما فكرت في كده، لقيت نفسي في طرقة جوة المستشفى اللي محجوزة فيها مراتي!
في ايه؟.. انا ماركزتش واتنقلت للمستشفى بالغلط، ولا.. لا لا لا.. ولا ايه، هند مرات محمد شامل ظهرت قصادي في نهاية الطرقة، كانت جاية وهي بتتكلم مع واحدة زميلتها والاتنين لابسين لبس التمريض، ايه ده؟.. هي بتشتغل ممرضة هنا!
استخبيت في مكان ما عشان ماتشوفنيش، وساعتها سمعتها بتقول لصاحبتها..
-انا هدخل ابص على الحالة اللي جوة، بس بقولك ايه، انا قبلت اني اشتغل وردية ونص عشان اساعد محمد ونخلص من فلوس الاقساط اللي علينا، فبالله عليكي ياشيخة ماتخليش الوقت اللي هقضيه في القسم ده كلها شقى، ساعديني وماترميش الحمل كله عليا.
طبطبت عليها صاحبتها وقالتلها حاضر ومشيت، اما انا.. ف دخلت أوضة تانية، بعد كده هند دخلت أوضة، بس أوضة مين بقى، ايوه هي.. أوضتها، أوضة فريدة مراتي.
وقفت في مكاني وانا مذهول، ماكنتش لا بنطق ولا بفكر، دماغي وقفت، ومافيش دقايق ولقيت هند خرجت من الأوضة وطلعت موبايلها واتكلمت فيه..
-ايوه يامحمد.. بقولك ايه، مرات مؤنس عندي هنا في القسم اللي نزلت فيه جديد، بقولك ايه.. هي فعلًا في غيبوبة زي ما قالك، رجعله ال ٥٠٠ جنيه واحنا لينا رب اسمه الكريم، اه والله زي ما بقولك كده.. ماشي، سلام.
قفلت معاه ودخلت الأوضة عشان تدي العلاج لمراتي، وفي نفس الوقت اللي دخلت فيه، تليفوني رن، كان المتصل محمد اللي رديت عليه وانا بحاول اكتم دموعي..
-ايوه ياشامل… الفلوس ناقصة ولا حاجة؟
-لا لا مش ناقصة، الفلوس تمام، بس انا كنت عايز اطلب منك طلب، ياريت لو تقدر تعدي عليا في القهوة، انا اتصرفت في فلوس خلاص وانت محتاج لكل قرش عشان مراتك التعبانة.
منعت دموعي ورديت عليه بصوت مكتوم..
-مالوش لزوم.. انا اتصرفت النهاردة وخدت من عمي فلوس بالزيادة، سلام يامحمد.. انا لازم اقفل عشان تعبان ومحتاج انام.
قفلت معاه قبل ما يقولي اي كلمة زيادة، واول ما قفلت ركزت ورجعت لبيتي، رجعت للصالة، اترميت على الكنبة وانهارت من العياط، دماغي كانت هتنفجر من كتر التفكير، ماقدرتش اتحكم في اعصابي ونمت.. ومع نهار اليوم الخامس صحيت، ماحصلش حاجة جديدة، الروتين اليومي.. حتى الغريب ظهرلي وقالي التعليمات بتاعت اليوم الجديد.. (اليوم الخامس.. يوم التحكم في مسح ذاكرة الشخص اللي هتختاره).. وبعد ما اختفى، قضيت اليوم زي كل يوم، بس اللي اختلف يومها هي مكالمة جت لي من الدكتور بعد ما خلصت الشغل، وملخص المكالمة إن مراتي فاقت… اول ما سمعت منه إنها فاقت، روحت جري عليها، بصيت في عينيها كويس اوي وقولت لنفسي إنها لازم تنسى كل اللي عملته فيها، لازم تنسى أهانتي وضربي ليها كل يوم والتاني، والظاهر كده إن القدرة دي برضه اشتغلت، فريدة فضلت باصة لي لثواني وهي مابتتكلمش، واول ما اتكلمت قالتلي..
-انا فين وايه اللي حصل لي؟!
مسكت إيديها وبوستها وانا بقولها والدموع في عينيا..
-خير.. مافيش حاجة، انتي بس كنتي نازلة تشتري حاجات وعربية خبطتك خبطة بسيطة.
مسكت إيدي جامد وقالتلي بحنية..
-الحمد لله إني ماحصليش حاجة عشان ماسيبكش لوحدك.
بوست على راسها وانا ساكت، ماكنتش عارف اقولها ايه، كل اللي لساني أسعفني إني اقوله، كانوا كلمتين..
-ربنا يطول في عمرك ياحبيبتي، الدكتور طمنني وقالي إنك ممكن تخرجي بكرة.
وانتهى اليوم بأن فريدة حالتها اتحسنت وان الدكتور قالي إنها خلاص هتخرج من المستشفى تاني يوم بالليل، وبعد ما اطمنت عليها ومشيت من عندها، روحت البيت ونمت عشان اصحى تاني يوم على نهار اليوم السادس، وفي اليوم ده بعد ما صحيت وفطرت ولبست وظهرلي الغريب في المراية، قالي بالنص كده.. (اليوم السادس والأخير.. يوم القدرات، ويوم القتل).. قال كده واختفى زي كل مرة!
اتمشيت من عند المراية وروحت للباب، وقفت قصاده وركزت، خدت نفس عميق وقولت لنفسي.. انا لازم ابقى موجود في مكتب عمي حالًا… وبمجرد ما خلصت الجُملة اتنقلت لمكتب عمي، المكتب كان فاضي، الظاهر إن عمي لسه ماجاش، فضلت قاعد مستنيه على الكرسي بتاعه لحد ما وصل، واول ما شافني بص لي وبرق، قفل الباب واتمشى ناحيتي ببطء وهو بيقولي..
-انت دخلت هنا ازاي ومين سمحلك تدخل اصلًا؟!
قومت من مكاني وشاورتله على الكرسي بتاعه..
-ماتقلقش، كرسيك في الحفظ والصون، اقعد.. انا مش هاخد من وقتك كتير، هم كلمتين وهنخلص خالص.
قعد على الكرسي وهو بيبص لي باستغراب..
-كلمتين ايه دول اللي يخلوك تدخل مكتبي زي الحرامية من غير إستئذان؟!
ضحكت على كلامه بسخرية..
-حرامية مرة واحدة؟.. ايه ياعمي، هو اللي بيطلب حقه في الزمن ده بيبقى حرامي ولا ايه؟.. لا.. واللي يسرق الحق، يبقى رئيس مجلس إدارة لشركة مش شركته أصلًا، اما حاجة غريبة والله.. دي الأية اتقلبت باجدعان.
اتبدلت ملامحه للغضب وقالي بصوت عالي..
-احترم نفسك وانت بتتكلم معايا، انا ماسرقتكش.
-والله!.. اومال تسمي سرقتك لفلوس ابويا وشركته ايه؟.. طب بلاش، تسمي معاملتك معايا وتغييرك للكلام كل ما اطالبك بحقي ايه؟.. مش حقي وحق ابويا ده برضه ولا ايه يا.. ياعمي.
سكت لثواني وهو بيبص قصاده وكأنه بيهئ نفسه للكلام اللي هيقولهولي، جز على سنانه وبص لي بعينيه اللي كان مداري جواها دموع ماعرفتش سببها في وقتها..
-لا يامؤنس..
-لا ايه.. مش حقي؟
-لا ياأخي.. لا.. مش ابوك، اخويا فايز مش ابوك.
قالي كده وقام من مكانه وراح ناحية الخزنة بتاعته، فتحها وطلع منها ملف ورماه قصادي على المكتب وهو بيقولي..
-بص عالملف ده كده وانت هتعرف إنه مش ابوك..
خدت الملف وقلبت في الورق اللي جواه وانا بسمع عمي وهو بيكمل كلامه..
-فايز الله يرحمه قبل ما يتجوز امك كان متجوز ومخلف بنت، وفي مرة وهو مسافر المصيف مع مراته الأولانية وبنته، العربية اتقلبت بيهم، عملوا حادثة، وكانت نتيجة الحادثة دي إن مراته وبنته ماتوا، وهو عاش.. بس من وقتها وهو مابقاش طبيعي، فايز فقد رجولته في الحادثة دي، يعني لا بقى نافع للجواز ولا نافع للخلفة، جاله تهتك في العضو التناسلي، ولولا ستر ربنا كان مات.. وبعد ما فاتت على الحادثة دي سنين، كانت بتشتغل عنده بنت إسمها بسمة، بسمة دي كانت تعرف شاب وكان معشمها بالجواز، وبعد ما عمل معاها اللي عمله وبقت حامل، سابها وسافر.. وقتها ماكنش قدامها حل غير إنها تحكي لفايز، ف فايز قرر إنه يستر عليها واتجوزها، وفعلًا اتجوزها وعاشت معاه شهور، بس وهي بتولدك ماتت، وطبعًا كتبك بإسمه، وادي الأوراق والتقارير اللي بتثبت صحة كلامي.. كل حاجة هتلاقيها في الملف ده.
كنت بقلب في الملف وبسمع كلام عمي وانا مذهول، الورق اللي في الملف مظبوط، دي شهادة وفاه لبنت اسمها التاني نفس اسم ابويا، فايز العلايلي، وكمان ده تقرير طبي بيوصف حالة فايز بعد الحادثة، وده عقد جواز امي وابويا اللي تم بعد الحادثة بسنين!
كنت هتجنن وانا بقلب في الورق، ومن غضبي وعصبيتي رميته على المكتب وزعقت للراجل اللي قاعد قصادي..
-انت كداب.. كداب والورق ده مزور.
بصيت في عينه وانا بتكلم، كنت مستني اقرا افكاره واعرف منها إنه بيكدب، بس لا.. اللي قصادي ده كان صادق، اللي قاله بصوت عالي هو نفسه اللي قاله بينه وبين نفسه..
-لا يامؤنس.. انا مش كداب، انت فعلًا مش ابن اخويا، ولو بصيت في نهاية الملف، هتلاقي وصية فايز اللي كاتب فيها كل ممتلكاته ليا انا… والوصية عليها أمضته بجد.. مش مزورة.
قعدت على كرسي من كرسيين المكتب وانا حاطط إيدي على وشي وبعيط، ماكنتش قادر اتكلم ولا اقول أي حاجة، وفي اللحظة دي ظهر صوته جوة عقلي.. صوت الغريب..
(كداب يامؤنس.. بيكدب عليك.. اقتله يامؤنس.. اقتله.. اقتله وهات حقك، مش ده اتفاقنا؟.. اقتله يامؤنس.. قوم وبص في عينيه واتحكم في افكاره، خليه ينط من شباك مكتبه.. اقتله يامؤنس بقولك.. اقتله..)
مسكت دماغي وقومت وقفت وانا بصرخ بعلو صوتي..
-لا.. لا.. مش هقتله.. مش هقتله بقولك…
الصداع زاد، صوت الغريب بقى ابشع وأفظع، غمضت عيني وفضلت اصرخ زي المجانين..
-لا مش هقتله.. لا.. لا.. لااااا
وفجأة.. الصداع راح!.. فتحت عيني لقيت نفسي لسه واقف على الكوبري، النيل على شمالي والغريب قصادي..
-لا ايه؟.. هتفكر ولا..
زعقت فيه بعلو صوتي..
-لا ياغريب، لا معناها لا.. انا مش هفكر ولا هسمع كلامك، مش عايز قوة ولا معجزات، انا كل اللي كنت محتاجه خدته، انا عرفت وشوفت كل اللي ماكنتش شايفه، سميها رؤية بقى، سميها رسالة إنقاذ او تحذير منك ربنا بعتهالي.. سميها زي ما تسميها، بس انا مش همشي معاك في طريقك ولا هسمع كلامك.. انا هرجع وهصلح بإيدي كل حاجة، انا مش هنتحر ولا هقتل.. انا همشي في سكته ياغريب، همشي في سكة الحَكم العدل.. همشي في سكة اللي حذرني.
اول ما قولتله كلامي ده، عينيه ابتدت تتحول لجمرتين من النار، جسمه طلع حرارة قوية، وقبل ما يقرب مني بملامحه المفزعة دي والدخان اللي خارج منه، سيبته وطلعت اجري، فضلت اجري في الشوارع وانا مش عارف هروح على فين لحد ما تليفوني رن، كان رقم الدكتور اللي استقبل حالة فريدة..
-الو.. ايوة يادكتور… فريدة جرالها حاجة؟!
-ايوه يااستاذ مؤنس، لا استاذة فريدة بخير، دي حتى فاقت وبقت زي الفل، ومش بس كده ياسيدي، انا كمان عندي ليك خبر حلو، مدام فريدة حامل، والحمد لله هي ماتعرضتش لإغماءة بسبب خبطة العربية، الإغماءة كانت بسبب الحمل.
قفلت معاه بسرعة وروحت جري على المستشفى، واول ما وصلت لقيت فريدة على السرير، قربت منها وخدتها في حضني، كانت بتعيط بحرقة وانا كمان غصب عني عيطت، وقبل ما تقولي أي كلمة، بصيت لها وحطيت إيدي على وشها وانا بقولها بعياط مليان فرح وندم..
-ماتقوليش حاجة.. بالله عليكي ماتقولي حاجة، انا اتغيرت، من النهاردة.. انا.. انا بقيت مؤنس تاني، إيدي دي مش هتعمل اي حاجة في الدُنيا غير إنها هتطبطب عليكي وعلى المولود اللي جاي، انا خلاص.. اتغيرت والله، ولو على حباجة هنعزل ونسيبله المنطقة، ولو على الشغل، فانا هسيب شركة عمي وهشتغل في شركة تانية وهثبت نفسي، بس بالله عليكي ما تزعلي مني.. انا مابقتش عايز حاجة من الدنيا غير رضاكي وبس.
ابتسمت ومسحت دموعها، ومن هنا ابتديت حياة جديدة، ايوة ابتديت، انا حكايتي مانتهتش، ماهو بعد ما مراتي خرجت من المستشفى، عزلنا من المنطقة فعلًا.. وانا ماروحتش شركة عمي تاني، اشتغلت برة، وبعد شغلي برة بشهرين تلاتة، رجعت فلوس محمد شامل كلها وبلغت عن حباجة وقولت إنه بيتحرش بستات المنطقة، وكمان بعتت جواب اعتذار لمدام شمس اللي كنت كل ما اشوفها ابصبص لها واحاول اشاغلها بأي كلام، اما عمي بقى، فده بعتلي بعد فترة شيك بمبلغ قالي إن فايز سابهولي، وفي نفس الظرف اللي بعت فيه الشيك، بعتلي الملف إياه.. الملف اللي شوفته في الرؤية اللي جت لي من ربنا كتحذير عشان ماسمعش كلام الغريب ولا امشي في سكته، والحمد لله.. المبلغ اللي بعته عمي كان مبلغ محترم، مبلغ قدرت افتح بيه شركة ليا انا.. شركة سميتها رؤية، اه.. سميتها على إسم بنتي اللي مراتي خلفتها، بس الحاجة الغريبة اللي حصلتلي بعد كام سنة، هي إن انا لما روحت في يوم البيت بعد الشغل، لقيت فريدة مراتي بتديني ورقة، ووهي بتديهالي قالتلي إنها سمعت جرس الباب وهو بيرن، ولما فتحت، مالقتش حد، هي بس لقت ورقة مكتوب فيها جُمل.. جُمل اول ما شوفتها جسمي اتخشب وريقي نشف..
(ليلتنا ماخلصتش ياصاحبي.. ولو احتاجتني او احتاجت للقدرات إياها، روح لنفس المكان وانده عليا بإسمي.. فاكره يامؤنس ياابن أدم؟… إمضاء.. عمك الغريب)
تمت
محمد_شعبان_